"الجميع يسرقون في التجارة والصناعة ولقد سرقت الكثير بنفسي، ولكني أعرفُ كيف أسرق"
توماس أديسون ( 1931 – 1847 )
بقلم الحسين صبري.
قد عُرفَ من سيرة حياة المخترعين على مر العصور أن كلًا منهم قد يحتاج أحيانًا فترة حياته بأكلمها لينجز اختراعًا واحدًا وفي أفضل الأحوال كان يستغرق أحدهم 3 سنوات ليتم اختراعًا واحدًا بدايةً من الفكرة إلى مراحل تنفيذها إلى نجاحها ومن ثمّ تسجيلها، فكيف لإنسان أن يخترع 1093 اختراعًا في فترة حياته؟
ولد توماس ألفا أديسون في الحادي عشر من فبراير 1847 في أمريكا -ولاية أوهايو– مدينة ميلان، وحسب ما هو مُدون في تاريخه أيضًا أنه تُوفي في الثامن عشر من أكتوبر عام 1931، دعنا نُناقش الأمر رياضيًا أولًا:
فترة حياة أديسون الكاملة 84 عامًا، نخصم منها سنينه الأولى وهي 19 عامًا (حسب ما هو مُدون في تاريخه أنه سجل أول براءة اختراع له عام (1869) أي عن عمر 22 عامًا ولنفترض أنه بدأ تجاربه قبل 3 سنوات أي أنه بدأ الابتكار عن عمر 19 عامًا، نستنج أن:
84 سنة هي فترة حياته كاملة – 19سنوات عُمره الأولى = 65 عامًا من الاختراعات
إذًا فإن ناتج قسمة 1093 اختراعًا على 65 عامًا من حياته الابتكارية يعني تقريبًا حوالي 17 اختراعًا في العام الواحد! ومما لا شك فيه أن ذلك نوع من أنواع الخرافة والهذيان لأنه لا يُمكن لشخص أن يقوم بهذا، كيف يُمكن لإنسان أن يضخ كل هذة الاختراعات في السنة الواحدة؟ أم أن هُنالك سرًا وراء تلك القدرة الخارقة؟
الحقيقة هي أن أديسون قام بتأسيس مركز أبحاث وطوره بالمال الذي حصل عليه من بيع جهاز التليجيراف، والذي باعه لشركة ويسترن يونيون بمبلغ 10 آلاف دولارً أمريكي (وهو ما يُعادل 200 ألف دولار في يومنا هذا)، وقد قام توماس بتوظيف أمهر العقول وأبرعها في ذلك العصر في مركزه وقام بنسبة أغلب أعمالهم إلى اسمه الشخصي، وهذا هو أحد أهم الأسباب الذي أدى إلى وجود قائمة كبيرة من الإنجازات باسم أديسون حيث إنه يجني ثمار ما طوره موظفوه، حتى إن أغلب الاختراعات التي تخصه ما هي إلا تطوير لأعمال غيره من المُخترعين بما فيهم أهم اختراعته المصباح الكهربي، ولنبدأ بسرد بعض الحقائق التي أخفاها التاريخ حول أديسون.
المصباح الكهربي أهم اختراعاته
لم يقم أديسون بابتكار المصباح الكهربي من تلقاء نفسه وإنما قام فقط بعمل بعض التعديلات على إنجازات آخرين سبقوه في الإنجاز وهم:
وارن دي لا رو: في عام 1840، اخترع العالم البريطاني خيوطًا بلاتينية ملفوفة في أنبوب فراغ ومرر تيارًا كهربائيًا من خلاله. واستند التصميم إلى مفهوم أن درجة انصهار البلاتين العالية تسمح لها بالعمل في درجات حرارة عالية، وأن الغرفة التي تم إجلائها ستحتوي على جزيئات أقل من الغاز لتتفاعل مع البلاتين، مما يحسن طول عمرها، وعلى الرغم من أن تصميمه عملي، فإن تكلفة البلاتين جعلته غير عملي للاستخدام التجاري.
فريدريك وليام مولينز: حصل أيضًا عام 1841 على براءة اختراع لأول مصباح وهاج مع تصميم باستخدام أسلاك البلاتين الموجودة داخل لمبة فراغ لإنتاج الكهرباء وتطبيقها للإضاءة والحركة، ولكنه فشل في صنع مصباح كهربي يدوم لفترة طويلة.
جون دبليو ستار: عام 1845 حصل الأمريكي على براءة اختراع لمبة الضوء المتوهجة التي تنطوي على استخدام خيوط الكربون.
إلكسندر لوديجين: عام 1872 اخترع الروسي إلكسندر لوديجين لمبة ضوء متوهجة وحصل على براءة اختراع روسية في عام 1874، وكان ابة الموقد لاثنين من قضبان الكربون من تقلص القسم في جهاز استقبال الزجاج مغلقة بإحكام، ومليئة بالنيتروجين، وترتيبها كهربائيًا بحيث يمكن الحالية إلى ثاني كربون عندما يستهلك الأول، وفي وقت لاحق كان يعيش في الولايات المتحدة، غير اسمه إلى الكسندر لوديجين وتطبيقها والحصول على براءات الاختراع للمصابيح المتوهجة وجود خيوط الكروم، الأيريديوم، الروديوم، الروثينيوم، الأوسيميوم، الموليبدينوم والتنجستن كما تم عرض لمبة باستخدام خيوط الموليبدينوم في المعرض العالمي لعام 1900 في باريس.
ماثيو إيفانز و هنري وودوارد: هم الاثنان الكنديان اللذان طورا ونالا براءة اختراع لمبة الضوء المتوهج في 24 يوليو عام 1874 أي قبل تسجيل أديسون لبراءة اختراعه بخمس سنوات كاملة.
جزء من طلب البراءة الفعلي لعام 1874.
جوزيف سوان: عام 1878 وقبل تسجيل أديسون بعام قام الفيزيائي البريطاني بالحصول على براءة اختراع المصباح الكهربي حيث استمر مصباحه للعمل لمُدة 40 ساعة، ولكن انتهى الأمر بتأسيس شركة بين أديسون وسوان لتجنب الصراع بينهما والاصطدام القانوني.
وهنا يأتي توماس أديسون ليضيف تطويِرًا لجعل المصباح أطول عمرًا، وهذا يوضح أنه لم يقم بابتكار المصباح ويمكنك أيضًا الاطلاع على التطور الزمني للمصباح من هنا « Incandescent_light_bulb »، ولكن يبقى سؤال هام، هل أديسون بنفسه هو من قام بعمل التطويرات على المصباح ليبقى فترة أطول؟
تنص بعض الرويات على وجود أحد العقول النابغة داخل مختبرات أديسون وهو William E. Sawyer ويقال إنه من عمل على تطوير المصباح ومن ثم نسبه أديسون إلى مجهوده الشخصي، ويقال أيضًا إن مكتب براءة الاخترعات قام بالفعل بإلغاء حق أديسون في اختراع المصباح الكهربي بعد معرفة أن ويليام هو صاحب الإنجاز الحقيقي إلا أن أديسون استطاع بطريقة ما (الإعلام) بتوجيه العقول وتزوير التاريخ إلى مجده الشخصي.
من أنار شوارع العالم؟
كان نظام أديسون الكهربائي حين ذاك بعيدًا عن الكمال، لأنه كان يعتمد على التيار الكهربي المُستمر والذي ينطوي على عيب خطير، فالتيار الكهربائي المستمر هو تيار كهربائي يسير في الدائرة الكهربية في اتجاه واحد، واعتمد نظام أديسون على محركات بخارية تُشغل مولدات كهربائية تولد تيارًا مستمرًا ينتقل عبر الأسلاك إلى المصابيح الكهربائية ولكن الطاقة الكهربية تضعف مع زيادة طول الأسلاك ولم تعد تشغل المصابيح بعد مسافة 2كم تقريبًا، ولذلك كان يجب وجود محطات توليد بأعداد هائلة في كافة أنحاء المدن وهذا أمر غير اقتصادي وغير عملي تمامًا، وكانت تلك المشكلة واضحة وموصوفة في القوانين الكهربائية حين ذاك إذ أن بحسب قانون جول: لزيادة طول أسلاك التوصيل علينا أن نُقلل من فقد الطاقة الكهربائية (P) الناتجة عبر مقاومة الأسلاك (R) ولفعل ذلك يجب تقليل شدة التيار (I).
وحسب صغية أخرى من قانون جول نجد أن تقليل شدة التيار (I) يرفع قيمة الجهد الكهربي (U)
ومن هنا نستنج أن الحل يكمُن في تيار منخفض وجهد عال، وقد علم أديسون بهذا الحل ولكن الجهد العالي خطير وقاتل فلا يُمكن نقل كميات هائلة من الفولت بشكل آمن إلى البيوت والمصانع، ولم يكن التيار المستمر يقدم حلًا لتلك المشكلة.
كان هناك نوع آخر للتيار الكهربائي يسمى التيار المتناوب، وهو بخلاف التيار المستمر حيث يقوم بتغيير اتجاهه بشكل دوري، وهذا التغير يُنتج تيارًا متناوبًا آخر في ملف مجاور بحيث يمكن تغيير الجهد الكهربي في التيار الجديد حسب الرغبة، وهذا هو مبدأ عمل المحول الكهربي، آمن به كثير من العلماء بأنه هو المستقبل والحل البديل للتيار المُستمر ولكن هذا التيار كانت له مشاكله المُستعصية أيضًا، فالبرغم من أنه يعمل جيدًا في تشغيل المصابيح إلا أنه لم يكن له محركات تعمل عليه وهو أمر حاسم في الصناعة حين ذاك.
ويمكنك أيضًا التعرف على الفرق بين التيار المستمر والمتناوب أكثر من هنا فيديو (1)، فيديو (2)، فيديو (3)
عزيزي أديسون، أعرف رجلين عظيمين أحدهما هو أنت، والثاني هو هذا الشاب
جاء العالم العبقرى نيكولا تيسلا من وراء البحار حاملًا هذة الوصية إلى أديسون من رئيسه في باريس، وعندما قرأها أديسون قام بتعيينه على الفور، وكان تيسلا قد كرس حياته للعمل أكثر من 18 ساعة يوميًا وقد اتفق مع أديسون على تطوير كافة معداته الكهربائية ووعده أديسون بـ( 50.000) دولار أمريكي إذا أتم المهمة (وهو رقم ضخم حين ذاك)، وبالفعل أتم تيسلا المهمة في عام واحد فقط وعندما طالب أديسون بالمال قال له أديسون «أنت لا تفهم حس الدُعابة الأمريكي يا تيسلا»، وقام فقط بزيادة راتبة 10 دولارات، فاستقال تيسلا على الفور متأكدًا أن عالم الابتكار مُتصل تمامًا بعالم التجارة، مستنكرًا اسم أديسون ذلك العالم العبقري فما هو عنده إلا مُخادع .
قضى تيسلا عامين كاملين مفلسًا يعمل في مناطق حفر الكابلات التابعة لأديسون، وفي يوم تعاطف معه مديره وعرفه على صديقه لينشئ شركة تحمل اسم تيسلا، وفي أبريل عام 1987 أسس تيسلا مختبرًا قريبًا من شركة أديسون وكانت تلك الفرصة التي نالها تيسلا أثرت على تاريخ الحضارة البشرية بأكملها، ففي مختبره الجديد وضع تيسلا حجر الأساس لانطلاق العصر الكهربائي، فما أن وُجدت الظروف الملائمة للعمل حتى كشفت عبقرية تيسلا عن نفسها فقام بتصميم محركه العبقري عام 1888 الذي اعتمد على فكرة خلق حقل مغناطيسي دوار يقوم بتشغيل ملفات المحرك بتوقيت متتابع، ولم يتوقف عند ذلك وإنما ابتكر نظامًا كاملًا لتوليد التيار المتناوب وهو النظام الذي لا يزال العالم يستخدمه حتى اليوم.
وما أن عرض تيسلا نظامه في إحدى المُحاضرات عام 1888 حتى تحمس له أحد أكثر داعمي التيار المتناوب وكان عدوًا لأديسون في سباق توزيع الكهرباء في الولايات المتحدة وهو المخترع ورجل الأعمال جورج ويستينغهاوس، وفي صفقة كان من شأنها أن نقلت تيسلا إلى الثراء السريع حيث قام جورج بشراء جميع براءات اختراعات تيسلا مقابل مليون دولار أمريكي، بالإضافة إلى عمولة دولار واحد عن كل قدرة حصانية يُنتجها نظامه الكهربي.
ولأول مرة يشعر أديسون بخطر حقيقي يهدد إمبراطوريته، فقد كان نظام تيسلا أفضل من نظامه في كل شيء، ولكن التيار المتناوب عند تيارات منخفضة كان أكثر خطورة من التيار المستمر، فقرر أديسون إعلان الحرب على التيار المتناوب مُسلحًا بنفوذه وشهرته من جهة وخوف الناس من جهة أخرى .
فبدأ أديسون أشرس حملة تشويه إعلامي عرفها التاريخ عُرفت باسم حرب التيارات الكهربية فيديو (1)، فيديو (2).
وبرغم كل السُبل القذرة التي اتبعها أديسون لتشويه التيار المتناوب وداعميه كان تيسلا دائمًا يبتكر الرد بطُرق تبهر العالم حتى إنه قام بإمرار آلاف الفولتات الكهربية خلال جسده في تجربة عملية ليثبت أن التيار المُتناوب آمن تمامًا، وكانت هذة العروض بمثابة ضربة قاضية لأديسون وحملته الهيستريه، ثم جاءت نهاية حرب التيارات الكهربائية عام 1893 عندما فاز ويستينغهاوس بعقد تمديد الكهرباء لأول معرض عالمي ينار بالكهرباء في مدينة شيكاغو والذي شهد إضاءات لم يشهدها العالم من قبل ظلت راسخة في عقل الولايات المتحدة، وكل ذلك كان بفضل تيسلا، وبعد فترة قليلة انتشر التيار المتناوب ولم تعد تُركب محطات أديسون.
اليوم كل الكهرباء التي في العالم تقريبًا يتم إنتاجها بنظام تيسلا، والكهرباء ما هي إلا واحدة من إبداعات تيسلا العبقري، فقد اخترع تيسلا أيضًا الاتصالات اللاسلكية المستخدمة في البث الإذاعي والتلفزيوني واخترع أيضًا نظام التحكم عن بُعد عام 1898، والتقط أول صورة للعظام بالأشعة السينية، وطور إضاءة النيون والفلورسنت، واخترع تقنيات للصواريخ الموجهة، ونقل الطاقة لاسلكيًا حول كوكب الأرض وأيضًا معدات الدفاع الإٍستراتيجة، فلم يكن تيسلا مخترعًا عاديًا بل كان عبقريًا يفكر بعيدًا عن المألوف.
اليوم لا يكاد أحد يسمع عن نيكولا تيسلا ولكن تعلو الآفاق باسم أديسون الذي بقي حتى مماته بطلًا أمريكيًا.
أديسون ودون التقليل من شأنه كانت معظم اختراعاته تطويرًا لأفكار موجودة وتمت بمساعدة جمهور من المساعدين.